01 شباط/فبراير 2011
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزنا دولة الأخ معروف البخيت حفظه الله ورعاه،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أبعث إليك بأطيب تحياتي وخالص أمنياتي بالتوفيق وبعد،
فقد كنت دائما جنديا من جنود الوطن المخلصين، الحريصين على النهوض بالمسؤولية بمنتهى التفاني والنزاهة والأمانة، وأهلا لثقتي في جميع المواقع التي عملت فيها.
أما وقد قبلنا استقالة حكومة دولة السيد سمير الرفاعي، فإننا نكلفك بتشكيل حكومة جديدة، تكون مهمتها الرئيسية اتخاذ خطوات عملية وسريعة وملموسة، لإطلاق مسيرة إصلاح سياسي حقيقي، تعكس رؤيتنا الإصلاحية التحديثية التطويرية الشاملة، لنمضي بها خطوات واثقة على طريق تعزيز الديمقراطية، واستكمال مسيرة البناء، التي تفتح آفاق الانجاز واسعة أمام كل أبناء شعبنا الأبي الغالي، وتوفر لهم الحياة الآمنة الكريمة التي يستحقونها.
وقد اعتمدنا، منذ تحملنا أمانة المسؤولية، الإصلاح الشامل سبيلاً ثابتاً لمراكمة إنجازات الوطن، ومواكبة روح العصر الجديد الذي تفرض تحدياته إطلاق طاقات جميع الأردنيين لتجاوزها، وتتطلب الإفادة من فرصه تمكين كل أبناء الوطن من أدوات العلم والمعرفة والتأهيل. وأوضحنا أهمية التركيز على الإصلاح الاقتصادي ضرورةً لتوفير أفضل سبل العيش لأهلنا في جميع أنحاء الوطن، وهدفاً لن يصل إلى مداه من دون إصلاح سياسي يزيد من مشاركة المواطنين في صناعة القرار، ويبني المؤسسات الفاعلة التي تحتضن العمل البرامجي بفاعلية وشفافية، والتي تحتكم إلى تشريعات حديثة وعصرية تنسجم مع أفضل المعايير الديمقراطية. إلا أن المسيرة عانت من ثغرات واختلالات أنتجها خوف البعض من التغيير ومقاومتهم له حماية لمصالحهم، والتردد في اتخاذ القرار من قبل الكثيرين ممن أوكلت إليهم أمانة المسؤولية، إضافة إلى سياسات الاسترضاء التي قدمت المصالح الخاصة على الصالح العام، فكلفت الوطن غالياً وحرمته العديد من فرص الإنجاز.
وفي ضوء ذلك، فإننا نكلفك بإجراء عملية تقييم شاملة، تفضي إلى إجراءات فاعلة تعالج أخطاء الماضي، وإلى خطة عمل واضحة تمضي بمسيرة الإصلاح إلى الأمام، من خلال مراجعة جميع القوانين الناظمة للعمل السياسي والمدني والحريات العامة وتطويرها.
ويأتي قانون الانتخاب، الذي يشكل ركيزة التنمية السياسية الحقيقية، في مقدمة هذه التشريعات، التي تشمل قوانين الأحزاب والاجتماعات العامة والبلديات والعقوبات والمطبوعات والنشر وحق الحصول على المعلومة وغيرها. وفي ضوء ذلك، فإننا ننتظر منك أن ترفع إلينا في أسرع وقت ممكن توصيتك حول آلية حوار وطني شامل ممنهج، تتمثل فيه جميع مكونات مجتمعنا وأطيافه، للتوافق على قانون انتخاب جديد، يعزز الهوية الوطنية الجامعة، ويسهم في تطوير العمل السياسي الحزبي الجماعي، بحيث يكون التنافس على خدمة الوطن والمواطن على أساس الأفكار والبرامج، وللاتفاق أيضاً على كل الخطوات اللازمة لتسريع وتيرة مسيرتنا الديمقراطية، وبما يضمن أعلى درجات المشاركة الشعبية في صناعة القرار.
وعلى الحكومة أن تقوم بكل ما هو مطلوب لتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، وضمان حرية التعبير، وإيجاد البيئة الكفيلة بممارسة الإعلام المهني المستقل دوره من دون أي قيد أو عائق، وتوسعة آفاق الإفادة من وسائل الاتصال الحديثة، التي يجب أن تكون وسيلة لتعميم المعرفة وتكريس ثقافة الحوار، لا وسيلة لبث المعلومات الخاطئة والإساءة إلى الأفراد والمؤسسات على غير وجه حق. ومن هنا يجب أيضاً العمل على تطوير التشريعات لتشمل آليات ديمقراطية شفافة، تحاكي أفضل الممارسات الدولية، لحماية المجتمع من الممارسات اللامهنية، التي يمارسها البعض عبر وسائل الإعلام والاتصال، في خرق واضح لحقوق المواطنين وتقاليد مهنة الصحافة وأخلاقها.
دولة الأخ العزيز،
إن الشباب هم ثروة الوطن وصناع مستقبله. ولا بد من إيلاء شباب الوطن أعلى درجات الرعاية، تثقيفا وتعليما وتأهيلا وتعزيزاً للقيم الوطنية، وتمكينا من كل أدوات النجاح والانجاز. ومن هنا تأتي أهمية التركيز على العملية التربوية أولوية يجب توفير كل الإمكانات اللازمة لخدمتها، من خلال تطوير المناهج، وتحسين البيئة المدرسية، والعناية بالمعلمين الذين يشكلون محور العملية التربوية.
ويجب أيضاً إجراء مراجعة شاملة لإدارة عملية التعليم العالي والجامعي، لضمان عودة جامعاتنا منارات علم وإبداع واسعة الرحاب الفكرية، تبني الهوية الوطنية، وتصقل شخصيات الشباب على قيم الانفتاح والتعددية والتفكير النقدي الخلاق، وتنهي ظاهرة العنف التي أخذت تتمدد في أوساطها. ويجب في هذا السياق تبني السياسات التي تزيل مشاعر الإحباط المنتشرة بين جيل الشباب، نتيجة شعورهم بغياب المساواة في الفرص وانتشار الواسطة والمحسوبية.
أما برامجنا الاقتصادية المستهدفة توفير أفضل سبل العيش لمواطنينا، عبر زيادة إنتاجية الاقتصاد الوطني، وضمان نموه، ورفع تنافسيته، وتعظيم قدرته على جذب الاستثمار، وإيجاد فرص العمل، فأنت تدركها جيداً. وعليكم الاستمرار في العمل في إطار النهج الاقتصادي الإصلاحي، عبر البرامج والخطط التي تضمن أفضل أداء ممكن لاقتصادنا الوطني وتبني الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص، وتحقق التوزيع العادل لمكتسبات التنمية، وتوسع الطبقة الوسطى، وتحمي الشرائح الفقيرة.
ولا بد هنا من التأكيد على ضرورة تقوية البنية المؤسسية اللازمة لمحاربة كل أشكال الفساد، واتخاذ أقصى الإجراءات القانونية بحق من يثبت تورطه فيه.
دولة الأخ،
إن أمن الأردن واستقراره نعمة لا تنمية ولا إنجاز ولا تقدم من دونها. وإن الحفاظ على هذه النعمة مسؤولية لا تهاون فيها، ويجب على الجميع حمايتها من خلال العدالة الاجتماعية التي تصون كرامة جميع الأردنيين، ومن خلال سيادة القانون على الجميع، وعبر تماسكنا المجتمعي ووحدتنا الوطنية، التي ستظل صخرة تتكسر عليها كل محاولات العابثين والمفسدين. وفي هذا السياق لا بد من الاستمرار في دعم السلطة القضائية، وتوفير كل ما هو متاح من إمكانيات لتطوير أدائها.
وإن قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية هي سياج الوطن وحامي مسيرته وأمنه وديمقراطيته. وستبقى كما كانت دوما محط رعايتنا واهتمامنا. وعلى الحكومة أن تستمر في تقديم كل ما تحتاجه من دعم وأن تبذل كل جهد ممكن لتلبية متطلبات العيش الكريم لمنتسبيها من نشامى الوطن.
دولة الأخ،
إن مسيرة الإصلاح والتطوير والتحديث ضرورة حتمية للأردن سنمضي بها بثبات، تلبية لطموحات شعبنا الأبي، الذي تتقدم مصالحه وحقه في العيش بأمن وكرامة على كل شيء آخر. ونحن إذ نعهد إليك بحمل أمانة المسؤولية في هذه المرحلة التي تزخر بالفرص بالرغم من التحديات، لنوجهك إلى البناء على البرامج التي تضمنتها الأجندة الوطنية بعد إدخال ما يلزم عليها من تحديثات، وإلى الالتزام بالخطط والأهداف ومنهجية العمل التي حددناها في كتابي التكليف للحكومتين السابقتين، واللذين يشكلان برنامج عمل يمتد لسنوات.
ومن أجل تحقيق ذلك، فنحن نوجهك لأن تأخذ ما تحتاجه من وقت لاختيار فريقك الوزاري من أبناء الوطن القادرين والمؤهلين والملتزمين بالرؤية الإصلاحية الشاملة، التي تعتمد الحوار والانفتاح والصراحة والشفافية والتواصل مع أبناء شعبنا العزيز، وبعد إجراء مشاورات موسعة مع مكونات الطيف السياسي والمجتمعي المختلفة.
ونحن إذ نؤكد هنا على مركزية الدور الدستوري للسلطة التشريعية ومحوريته في مسيرة التنمية والإنجاز، لنوجهك إلى بناء أقصى درجات التعاون مع مجلسي الأعيان والنواب، بحيث تمارس السلطتان دورهما باستقلالية وتكامل ومن دون تغول إحداهما على الأخرى.
دولة الأخ،
إنني إذ أنتظر تنسيبك بأسماء زملائك الوزراء، لأدعو الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً، لخدمة وطننا وشعبنا الأردني الباسل، الذي كان دوما بانتمائه ووعيه وتماسكه أكبر من كل التحديات، وأن يحفظ الأردن آمنا شامخا ومستقرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عبدالله الثاني ابن الحسين
عمان في 27 صفر 1432 هجرية
الموافق 1 شباط 2011 ميلادية