22 تشرين الثاني/نوفمبر 2010
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزنا دولة الأخ سمير الرفاعي حفظه الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فأبعث إليك بأطيب التحيات وخالص الأمنيات، مع بالغ التقدير لما بذلته وزملاؤك الوزراء من جهد طيب ومتواصل، لخدمة وطننا الغالي وأهدافه السامية.
أما وقد وضعت استقالة الحكومة بين يدي، فإنني أقبل الاستقالة، وأكلفك بتشكيل حكومة جديدة، تواصل تنفيذ الخطط والبرامج، التي بدأتها الحكومة لترجمة توجيهاتنا التي احتواها كتاب التكليف، الذي عهدت فيه إليك بتحمل أمانة المسؤولية قبل حوالي سنة، إلى عمل خير ناجع، ينعكس بالخير على أردننا الأبي وشعبنا العزيز.
وقد تابعت ما قمت به وزملاؤك الوزراء من جهود خيرة، لدفع مسيرة التنمية الوطنية الشاملة إلى الأمام، وتحقيق طموحات شعبنا، الذي يستحق منا جميعا العمل بأقصى طاقاتنا، لبناء الوطن النموذج، الذي ينعم فيه كل أردني وأردنية بالأمن والاستقرار وفرص التميز والإنجاز والعيش الكريم. وإنني إذ أشيد بما أنجزته الحكومة في الكثير من المجالات، لأؤكد على أن الطريق ما زالت طويلة، مما يستوجب الاستمرار في العمل، وفق منهجية برامجية، علمية، شفافة، لتحقيق الأهداف التي حددتها في كتاب التكليف للحكومة السابقة، مع التأكيد على الأولويات التالية:
إن الاستمرار في عملية الإصلاح الشاملة خيار استراتيجي وضرورة تفرضها مصالح شعبنا ومتطلبات بناء المستقبل المزدهر الذي ننشد. ولا بد من الإشارة إلى أن وتيرة الإصلاح لم تسر بالسرعة التي أردناها، فتعثرت وتباطأت بين الحين والآخر، وأُخضعت غير مرة للحسابات الضيقة، والمصالح الخاصة، مما أفقد الوطن فرصا كثيرة، وحد من قدرتنا على الإفادة مما يزخر به العصر من إمكانيات التطور، وحصد المكتسبات، التي تبني على إنجازات أردننا الغالي. وفي ضوء ذلك، فإنني أكلف الحكومة بإجراء مراجعة شاملة، تفضي إلى إزالة كل المعيقات التي تحول دون التقدم في تنفيذ إستراتيجية الإصلاح والتطوير والتحديث.
إن تحقيق التنمية السياسية، بما يزيد من المشاركة الشعبية في صناعة القرار، شرط لنجاح كل جوانب الإصلاح الاقتصادية والاجتماعية الأخرى. وعلى الحكومة أن تواصل العمل، من أجل إيجاد البيئة الكفيلة بترجمة رؤيتنا الإصلاحية إلى واقع يعيشه كل أبناء شعبنا. والآن، وقد أجريت الانتخابات النيابية، التي شكلت نقلة مهمة على طريق تحسين العملية الانتخابية وضمان نزاهتها وحياديتها، فإنني أؤكد على ضرورة إرسال قانون الانتخاب المؤقت إلى مجلس النواب بصفة الاستعجال، لدراسته وإدخال ما يلزم عليه من تعديلات، تنسجم مع مصالح الوطن وطبيعة المرحلة، بحيث يستقر هذا التشريع الرئيسي في الحياة السياسية. ولا بد أيضاً من التعاون مع السلطة التشريعية على إنجاز قانون اللامركزية، لتمكين المواطنين من القيام بدور أكبر في صناعة مستقبلهم، وتحديد أولوياتهم التنموية.
للسلطة التشريعية دور دستوري رئيسي في مسيرتنا الوطنية. ويشكل التعاون بين السلطتين، وفق الدستور والقوانين، متطلبا أساسيا للنجاح في خدمة طموحات شعبنا وأهدافه. وعليه، فلا بد من بناء شراكة حقيقية مع مجلس النواب، بحيث تمارس السلطتان دوريهما الدستوريين بتعاون وتكامل، من دون تغول سلطة على أخرى، أو تعكير العلاقة بحسابات المصالح الخاصة. ومن هنا، فإننا نوجه الحكومة إلى التوافق مع مجلس النواب على آلية عمل، ترتكز إلى الدستور والقوانين، لتوضيح أسس التعامل بين أعضاء السلطتين، وبحيث يعمل الجميع بروح الفريق، لخدمة أهدافنا الوطنية. فإنجاح برامج التطوير والتحديث، وتحسين مستوى الأداء في جميع المجالات، مسؤولية مشتركة بين جميع سلطات الدولة ومؤسساتها، ويتطلب النهوض بها جهدا مخلصاً ومشتركاً، يستحقه منا أبناء شعبنا الوفي، الذي عبر عن رغبته الأكيدة في التغيير الإيجابي، عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية.
لا شيء يتقدم على مصلحة شعبنا وحقه في الحياة الآمنة الكريمة. وإن المضي قدما في برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي هو السبيل لتوفير العيش الكريم لمواطنينا، ولفتح آفاق الانجاز أمامهم. وعلى الحكومة مواصلة العمل على تحسين أداء الاقتصاد، عبر البرامج والخطط الواضحة، التي ترفع من تنافسية اقتصادنا وإنتاجيته، وتجذب الاستثمارات، وتطلق المشروعات التي توجد فرص العمل، وتوسع شريحة الطبقة الوسطى، وتحارب الفقر والبطالة. ويستدعي هذا أيضا الاستمرار في عملية التحديث التشريعي، وتطوير الإدارة العامة وآليات الرقابة ومحاربة جميع أشكال الفساد، وتأهيل وتدريب القوى البشرية. ولا بد في هذا السياق من البناء على الإنجاز الذي تم في تقليص عجز الموازنة، من خلال اعتماد سياسات مالية ناجعة، تحقق الفائدة الفضلى من الموارد.
إن الحفاظ على نعمة الأمن والاستقرار التي ينعم بها الأردن واجب على جميع مؤسسات الدولة، ومسؤولية مجتمعية لا تهاون فيها. وعلى الحكومة أن تبذل أقصى الجهود لضمان سيادة القانون على الجميع، وإتباع السياسات التي تضمن العدالة المجتمعية وتحفظ كرامة الأردنيين وحقوقهم. فلا تقدم ولا تطور ولا إنجاز من دون الاستقرار، الذي نحميه من خلال تطبيق القانون، والعدالة والمساواة والتماسك المجتمعي، والحفاظ على وحدتنا الوطنية التي ظلت وستبقى أقوى من كل محاولات العبث بها أو الإساءة إليها. وفي هذا المجال، لا بد من اتخاذ كل الخطوات اللازمة لتطوير الجهاز القضائي ودعمه وتوفير ما يلزمه من إمكانيات، لتحديث أدائه وتطوير قدراته لتبقى السلطة القضائية، أنموذجا في تحقيق العدالة بين الناس وفي النزاهة والاستقلالية.
ستبقى قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية محط اهتمامنا ورعايتنا. فهي سياج الوطن وحامي مسيرته وإنجازاته وأمنه واستقراره وديمقراطيته. وإني أوجه الحكومة للاستمرار في تقديم كل الدعم اللازم لضمان جاهزيتها وتطورها، تدريبا وتسليحا، وتوفير أفضل سبل العيش لمنتسبيها من نشامى الوطن.
إن رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني الشقيق وتمكينه من الوصول إلى حقه في العيش بحرية في دولته المستقلة والقابلة للحياة على ترابه الوطني مصلحة إستراتيجية أردنية. وتشكل تلبية الحقوق المشروعة للأشقاء الفلسطينيين، وخصوصا حقهم في الدولة والاستقلال، شرط تحقيق السلام الشامل الذي نسعى إليه على أساس استعادة جميع الحقوق العربية. وعلى الحكومة توظيف كل علاقاتنا الدولية، ومواصلة بذل كل ما في وسعها من جهود، لمساندة الأشقاء الفلسطينيين، ودعم مسيرتهم لإنهاء الاحتلال وبناء مؤسسات دولتهم.
دولة الأخ،
إنني إذ أعهد إليك بحمل أمانة المسؤولية في هذه المرحلة المهمة من مسيرتنا، لأثق بأنك ستكون عند حسن ظني بك، تعمل ومن تختار من زملائك الوزراء وفق معايير الكفاءة والقدرة على العطاء، على تنفيذ توجيهاتنا بعزم وتفان، وفي إطار المنهجية البرامجية الشفافة التي حددتها لكم، والتي تضع البرامج وآليات تنفيذها، وتعتمد المراجعة المستمرة لمراكمة الإنجاز، ومعالجة الاختلالات، ووقف القصور، حيث لا تراخي في اتخاذ القرار، ولا التفات إلا لمصلحة الوطن والمواطن.
وإنني إذ أنتظر تنسيبك بأسماء زملائك الوزراء الذين سيشاركونك حمل أمانة المسؤولية، لأدعو الله عز وجل أن يوفقنا جميعا لما فيه خير الوطن وأهله، وأن يحفظ الأردن شامخاً، آمنا، مستقرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عبدالله الثاني ابن الحسين
عمان في 16 ذي الحجة 1431 هجرية
الموافق 22 تشرين الثاني 2010 ميلادية