22 تشرين الأول/أكتوبر 2003
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزنا دولة الأخ فيصل الفايز حفظه الله،
تحية طيبة وبعد،
فقد عرفتك منذ أن عملت إلى جانبى خلال السنوات الماضية وفيا مخلصا وخبرت فيك كل السجايا الحميدة الطيبة التي ميزت أداءك ومواقفك، فكنت في كل الأعمال التي عهدنا بها إليك المبادر والأمين فى تنفيذ توجيهاتنا وتثميرها على ارض الواقع بكل أمانة وإخلاص وشجاعة.
ولما كانت إرادة التغيير في المرحلة المقبلة تقتضى وجود من يترجم رؤيتنا التي تهدف بالدرجة الأولى إلى الارتقاء بحياة شعبنا وتأمين المستقبل الزاهر لشبابنا وشاباتنا فقد اخترتك لتشكيل حكومة جديدة تمتلك الإرادة والقدرة على تحقيق التغيير المنشود وقطف ثمار التطور والرخاء.
إن الرؤية مهما تألقت في وضوحها واستشرفت الداء وحددت التشخيص الشافي ومهما نجحت فى تخطى المصاعب والتعقيدات لا يمكن أن تكتمل إلا بإرادة التنفيذ وبالقدرة على تحويل الأمنيات والآمال إلى واقع ملموس. وإننا إذ نثمن عمل الحكومة السابقة والحكومات التي تناقلت مشعل الأداء الصادق والعمل الدؤوب طوال السنوات الماضية ونشكر لها ما حققت من إنجازات، فإننا سنحفظ لهم في الذاكرة وفى القلب إنجازاتهم وشرف خدمتهم لوطنهم الحبيب وللأردن أولا وحاضرا.
إن شعبنا الأردنى الوفي يستحق منا جميعا أن نعمل من اجل تأمين المستقبل الزاهر الذي يليق به ويليق بالأردن وطنا نموذجا وعصريا وفى سبيل تحقيق هذا الهدف السامي فإننا اليوم نقف على عتبة مرحلة جديدة ننتقل بها من الأردن حاضرا إلى الأردن غدا، يعضدنا ويسندنا في ذلك إيماننا وإيمانكم أننا كلنا الأردن دائما.
إن التغيير الذي نتطلع إليه ليس غاية بحد ذاته بل هو وسيلة لتحقيق الرؤية، لذا فقد آن لنا الأوان أن نقيّم بموضوعية مجردة مسيرة حكوماتنا السابقة بعيدا عن تعميم تجاربها ونقد أدائها لأنه لا بد لنا أن نسمو عن عاطفتنا إلى عقلانية التشخيص المخلص والمنزه عن أي اعتبارات وبالتالي نلاحظ ما شابها من ضعف أحيانا في بعض أدائها وما ظهر من عدم تنسيق في بعض الأحيان بين أعضائها، وذلك ما اثر على جوهر أداء الفريق الواحد وما انعكس على انسجامها وتحقيق أهدافها.
وعلى عكس التغيير الذي نسعى لتحقيقه ولا نهدف إليه كوجهة نهائية قائمة بذاتها فان لتغيير الحكومة أهدافا ثابتة وليست آنية ولا ظرفية.. نروم التغيير الحكومي لأنه أن لنا أن ننتقل بالرؤية من العين إلى الحركة إلى الإرادة إلى السعى المثمر والشامل الى المبادرة تلو المبادرة الى رافعة مستمرة فى الإنجاز تلو الإنجاز كى يكتمل البناء ويعلو بالسرعة التي تحتمها التحديات وتمليها الصعوبات وترنو إليها التطلعات والآمال لان الأردن يستحق هذا الجهد ولان أبناءنا وبناتنا جديرون بأردن قوي ومزدهر وقدوة للدولة العربية الإسلامية الديمقراطية الراسخة الجذور المتطورة فى اقتصادها والقائمة على مبادىء العدل والمساواة والفرص المتكافئة للجميع بغنى التعددية السياسية وبظل القانون واحترام الحقوق نريد هذا التغيير الحكومي لنحقق أولوياتنا دون تردد أو وجل ودون تأخير.
وعلى رأس هذه الأولويات تأتي التنمية السياسية بكل أبعادها، فبعد أن نعمنا بنعمة الأمن والاستقرار بحمد الله وقطعنا شوطا مهما على طريق تجذير الديمقراطية فعلا لا قولا، فإن الوقت قد حان لتعميم مفهوم التنمية السياسية التي تشارك بها قطاعات المجتمع وقواه السياسية كافة، حيث النزاهة والمساءلة والشفافية، وحيث سيادة القانون والعدالة والمساواة وحيث مشاركة فاعلة وحقيقية للمرأة الأردنية والشباب الأردني وتفعيل طاقاتهم واستثمارها في شتى نواحي الحياة.
فنحن ندرك ألاّ تنمية شاملة بدون استثمار طاقات الشباب وبدون أن تأخذ المرأة مكانتها الطبيعية وحقوقها كاملة فى المجتمع.. التنمية السياسية التي تنبثق عنها أحزاب وطنية قوية موحدة باختلافها لتحقيق الأردن أولا وعزته ومنعته دائما... وحيث الديمقراطية التي تقوم على الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر وحيث الإصلاح القضائي الذي يجسد النزاهة والتجرد وحماية الحقوق، وحيث الحرية المسؤولة للصحافة التي تخدم أهداف الدولة الأردنية وتعبر عن ضمير الوطن وهويته وتعكس إرادة الأردن وتطلعات أبنائه وبناته. وحيث الإعلام الصادق المسؤول الذي يعبر عن ضمير الوطن وهويته ويتمتع بحرية التعبير وتعددية الآراء.. الإعلام الذي يجسد رؤيتنا في التغيير.. الإعلام المهني والمتمكن القادر على التغيير والتأثير وليس الاعلام الخائف والعاجز والمتردد.. الإعلام الذي يبرز دور الاردن عربيا وإقليميا. ففى حين تمكنا من إيصال رسالتنا إلى خارج الأردن، فقد عجز إعلامنا عن إيصال رسالتنا وإنجازاتنا إلى المواطنين وظل متأثرا لا مؤثرا.
والتنمية السياسية التي ننشد، تسعى إلى العلم والمعرفة للجميع وتعمل على إظهار هويتنا الإسلامية المشرقة والحضارية العريقة الجذور والقائمة على التسامح وحرية الفكر والإبداع المتميز وذلك في سبيل إبراز الأردن دولة إسلامية نموذجية، إن أمام الحكومة فرصة كبيرة لإعداد قوانين عصرية تساهم بإنجاح التنمية السياسية التي نريد: قانون أحزاب متطور وقانون انتخابات ديمقراطي تجرى بموجبه الانتخابات البرلمانية لعام 2007 وانفتاح سياسي على فعاليات المجتمع كافة.
وإذا كانت التنمية السياسية في مقدمة أولوياتنا فإن في صلب هذه الاولويات منذ أن توليت أمانة المسؤولية الأولى في هذا الوطن الحبيب كانت التنمية الاقتصادية المجدية والملموسة النتائج، فقد تحمل شعبنا الكثير وصبر على الظروف الاقتصادية والمعيشية التي ندرك جميعا أن بعض أسبابها كان إقليميا وخارجا عن إرادتنا لكن آن الأوان أن نعالج الأسباب الداخلية التي تحول دون تحقيق تنمية اقتصادية شاملة يقطف ثمارها كل أردني وأردنية يكافح من اجل حياة كريمة ومستقبل أفضل.
ومن أجل هذا كله فإن التنمية الاقتصادية لا بد أن يواكبها إصلاح اقتصادي يعتمد على مواردنا الذاتية ومزايانا التفاضلية وعبر إصلاح إداري يكافىء المجد ويحفز المتردد وينبذ المفسد والتنمية الاقتصادية التي نروم إليها هي التي تحقق إنجازا اقتصاديا وترفع نسبة النمو الاقتصادي وتوفر فرص العمل بشمولية وتحد من البطالة وتحفز الجميع لرفض العزوف عن العمل وللمشاركة التامة في حصاد خيراته.
والتنمية الاقتصادية التي نعمل بكل إمكاناتنا في سبيل تحقيقها لا بد أن تحقق عافيتنا الاقتصادية من الفقر والعوز وتعمل على تحقيق ازدهار اقتصادي حقيقي من خلال جذب الاستثمارات وتحديث التشريعات والقوانين وإزالة الاختلالات لكي نبتعد عن الاقتصاد التقليدي الريعي وصولا إلى اقتصاد حديث معافى ومزدهر.
إن ثمار التنمية الاقتصادية والسياسية المستدامة هي التنمية الاجتماعية لشرائح مجتمعنا الأهلي كافة.. ازدهار الفرد والعائلة.. الطفل والشاب والكهل والفتاة والمرأة.. والتنمية الاجتماعية الشاملة لتحقيق التعليم والتدريب المهني وتوفير الرعاية الصحية.
إن الحاجة ملحة لإنجاز هذه التنمية الشاملة بكل أبعادها لذا نريد حكومة منسجمة مع ذاتها في سبيل تحقيق رؤيتنا يميزها توحيد الأهداف دون أن يعنى ذلك عدم الخلاف بالاجتهاد شرط ان يتوحد الجوهر وان تتحدد الأهداف دون لبس ودون تردد.
والأداء الحكومي المرجو هو الالتزام الكامل من قبل أعضاء الحكومة كافة رئيسا ووزراء ليكونوا فريق عمل واحدا.. يدا واحدة.. إرادة توحدها الرؤية والطموح وتدفعها إلى تحقيق النتائج الملموسة.. نرنو إلى حكومة وزراء لا موظفين فريق عمل متجانس يجمع بين أعضائه كلهم دون استثناء اعتمادهم مبدأ الشفافية دون حدود يعلنون عن أهداف وزاراتهم دون غموض ويشاركون المواطنين تباعا نتائج الأداء وتحقيق الإنجازات كما يشيرون بصلابة وجرأة إلى مواقع الخلل والصعوبة ويحفزون كل المعنيين لتضافر الجهود لإزالة ما يعيق تحقيق الأهداف المنشودة.
إن مبدأ الشفافية المطلقة مقرونا بمبدأ المساءلة وتحمل مسؤولية الإنجاز هما أساس النجاح وأن الحكومة المرجوة التي تتلاءم مع تطلعاتنا ومع ما يستحقه أبناؤنا وبناتنا هي الحكومة التي تتحمل المسؤولية جماعيا: فريق عمل، وفرديا: وزراء حقائب متخصصة.. الحكومة التي أريد هي رئيس حكومة ووزراء يلتحمون معا في النجاح مثلما يلتحمون معا في تحدي الصعاب يميزها الأداء بشفافية حكومة يتسع صدرها لنقد الصحافة البناء لا الهدام.. ووزراؤها يحترمون المساءلة ويقدرون المسؤولية وبمثل هذه المواصفات يكون النجاح مكافأة أكيدة تعود عليهم بالرضى عن الذات كما يحققون للوطن ما يستحقه حتما من استقرار وازدهار ورخاء.
دولة الرئيس..
إن الرؤية التي حددتها لمستقبل الأردن ولنهضته واضحة أمامنا لأنها ثاقبة الملامح والأهداف لذا نطمح إلى حكومة يحفزها الإنجاز دون حاجة إلى سؤالها عند كل مرحلة عما تحقق وأُنجز وعن خطواتها التالية. كما أننا نريد لهذه الحكومة أن ترتكز في أدائها على آليات محددة ومفصلة لتنفيذ القرارات وذلك لتحقيق الرؤية على ارض الواقع. ولهذا فإن الأمر يتطلب الإسراع في تطوير عملية صنع القرار وآلية اتخاذه بعيدا عن البيروقراطية والروتين أو اختباء وراء أسباب واهية. وهذا الأمر يستدعي أن يمر أي قرار للحكومة بطريقة مؤسسية واضحة تعتمد الشفافية قبل اتخاذه في جميع مراحله، لأننا نؤمن إيمانا مطلقا أن اعتماد آليات تنفيذ القرار منهجية أساسية هي حتما الضمانة الأمثل للتأكد من إنتاجية الوزارات ومن تلازم انجازاتها وتراكمها التي يجب أن تطمح إلى التكامل قرارا بعد قرار وإنجازا تلو إنجاز وذلك لكى تحقق الأهداف المرجوة ولتحدث التغيير المنشود في مجالات التنمية كافة.
إن آليات تنفيذ القرار هي حاجة حيوية وليست تفصيلا عمليا لأنها تضبط إيقاع ورشة التنمية، كما أنها مقياس الإنجاز والاقتراب من تحقيق الأهداف التي رسمتها الرؤية واستشرفت نتائجها الطيبة للأردن وشعبه ونريد للحكومة أن تسعى إلى تقليص الفراغ وتعزيز الجدوى والإنتاجية وأن تتفاعل وتتكامل وتبادر ولا تستكين إلى راحة أو تكل أو تمل إلا عند تحقيق الأهداف التي حددتها في خطة عملها كافة. ونتطلع إلى حكومة تتعاون مع مجلس الأمة وتنسق مع سلطتنا التشريعية لتحفز أداءها وتنسق بشفافية مع دورها الرقابي وتتكامل معها في خير الأردن أولا وحاضرا وغدا وللأردن دائما.
ونطمح إلى حكومة تضع لنفسها إطار تقويم أدائها وتحقيق أهدافها وتطوير أساليبها وطريقة عملها، كما تحدد لنفسها أسلوب تقدير إنجازاتها لتصحيح نفسها بنفسها ولتحدد معايير نجاحها من تلقاء أدائها.. حكومة تتكلم أعمالها عنها ولا تحوجنا الكلام عنها...حكومة تقرن القول بالفعل.
ومثلما نتطلع إلى حكومة فعالة محليا فإننا نطمح إلى حكومة فعالة أيضا عربيا وإقليميا لنكون، كما دوما، القوة الداعمة للشعب الفلسطيني الشقيق حتى نمكنه من بلوغ أهدافه في التحرر والاستقلال ولنكون السند الحقيقي للعراق الشقيق في سعيه نحو إرادته الحرة والمستقلة ولتكون حكومتنا قدوة في التضامن العربى وفي تعزيز العمل العربي المشترك.
إنني على ثقة أكيدة أن حكومة تسعى بإخلاص لتحقيق رؤيتنا وتطلعات أبنائنا وبناتنا سيكون النجاح حليفها بإذن الله، وإنني إذ انتظر دولتكم موافاتى بأسماء زملائكم الوزراء ممن تثقون بقدرتهم على ترجمة رؤيتنا لمستقبل الأردن أولا وآخرا.. وسعيهم كان من اجل الأردن دائما، لنبتهل إلى الله العلى القدير أن يأخذ بأيديكم وأن يكلل أعمالكم بالتوفيق والنجاح لإنجاز هذه المهمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالله الثاني ابن الحسين