19 حزيران/يونيو 2000
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزنا دولة الأخ علي أبو الراغب
حفظه الله ورعاه،
يسرني أن أبعث إليك بتحية عربية هاشمية، ملؤها المودة والاحترام والتقدير وبعد،
فقد عرفتك منذ سنين خلت أخا كريما، وكنت أرى فيك على الدوام مثالا للمواطن الأردني المنتمي لوطنه وأمته، الحريص على النهوض بالواجب بشرف وأمانة وإخلاص وشجاعة، وبروح الإيثار ونكران الذات، وقد جمعت إلى جانب هذه السجايا الحميدة، فضائل التسلح بالعلم والمعرفة، والكفاءة والتميز في كل مواقع المسؤولية التي تبوأتها.
وانطلاقا من هذه القناعة الراسخة لدي، فإنه ليسرني أن أعهد إليك بتشكيل ورئاسة حكومة جديدة تخلف حكومة دولة الأخ عبد الرؤوف الروابدة التي نهضت بأمانة المسؤولية وتصدت للعديد من المشكلات التي كانت تعاني منها مسيرتنا الوطنية والاقتصادية، وقد أدت تلك الحكومة واجبها ونهضت بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها بإخلاص وتفان في العمل وحققت العديد من الإنجازات التي ستظل موضع تقديرنا واحترامنا ضمن المرحلة والظروف التي تعاملت معها خلال العام الماضي.
أما وقد عهدت إليك بتحمل أمانة المسؤولية، فإنني أتطلع إلى تشكيل حكومة جديدة من الشخصيات السياسية والاقتصادية المعروفة بالكفاءة والنزاهة والأمانة، والقادرة على تحمل المسؤولية وأداء الواجب في هذه المرحلة التي يمر بها بلدنا وأمتنا والعالم من حولنا، التي تتميز بالعولمة والمتغيرات العديدة المتسارعة، مما يشكل تحديا واضحا لنا جميعا أفرادا ومؤسسات، وهذا يستدعي أن نكون دائما على أهبة الاستعداد والقدرة على التعامل مع هذه المستجدات، ومواكبة ومجاراة التطورات العالمية من حولنا دون أن نتخلى عن قيمنا وثقافتنا وثوابتنا الوطنية، آخذين بعين الاعتبار أن الأردن كان دائما وريث الثورة العربية الكبرى ومبادئها السمحة النبيلة، وفي مقدمتها العدالة والمساواة، والتسامح والحفاظ على كرامة الإنسان.
وعلى ذلك فإنني أضع أمامك وأمام زملائك الذين سيقع عليهم اختيارك لتحمل المسؤولية معك، الأسس والمهمات التي آمل من الحكومة تنفيذها والالتزام بها:
أولا: إن أول الأهداف وأنبلها هو الحفاظ على الوحدة الوطنية، فالجبهة الداخلية المتماسكة التي تسود بين أفرادها روح المحبة والفريق الواحد، هي وحدها التي تصون الأردن وتحميه وتعزز تطوره وازدهاره، وتحافظ على أمنه واستقراره.
وفي هذا المجال لا بد من العمل على تحقيق المساواة بين جميع المواطنين من حيث الحقوق والواجبات بعدالة مطلقة وشفافية ناصعة، وذلك تجسيدا للقاعدة الدستورية التي تنص على أن الأردنيين متساوون من حيث الحقوق والواجبات.
ومن هنا فلا بد من الالتزام بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، واعتماد الكفاءة والأهلية معيارا أساسيا لتقلد الوظائف العامة والمناصب القيادية في الدولة. وينبغي أن نعمل مجتمعين لنؤسس لميثاق شرف يضع حدا لكل أشكال الواسطة والمحسوبية والشللية، بحيث يستقر في وجدان كل مواطن أن هذه المظاهر السلبية هي عيب على كل من يؤمن بها أو يمارسها، وذلك وصولا إلى إلغاء وتجاوز كل مظهر من مظاهر التمييز والاستثناء بين شرائح المجتمع. ذلك أن التعددية بمختلف أشكالها هي خصيصة من خصائص المجتمع الأردني، وينبغي أن تكون عامل قوة لبلدنا، وعامل إثراء لمسيرته الخيرة، ولا يصح تحت أي ذريعة كانت أن تستغل هذه التعددية من أي طرف، وتحت أي ظرف، لتصبح مدخلا للانتقاص من حقوق المواطنة وواجباتها، فالانتماء للأردن والالتزام بالأمن الوطني مسؤولية تقع على عاتق المواطنين جميعا ودون استثناء.
ثانيا: إن الديمقراطية نهج حياة ارتضيناه لأنفسنا، ولن نحيد عنه مهما كانت الصعوبات والتحديات، والديمقراطية في نظرنا تمثل الركيزة والأرضية الراسخة لبناء أردن عزيز قوي بمجموع طاقات شعبه وقدراته. وحتى نتمكن من الحفاظ على مسيرتنا الديمقراطية وفتح الآفاق أمامها حتى تنمو وتزدهر، فلا بد لنا من ممارسة هذا النهج الديمقراطي بروح عالية من الشعور بالمسؤولية، وبفهم عميق لمعنى الحرية، فالحرية لا تعني أبدا الاعتداء على حريات الآخرين، أفرادا أو جماعات، وليس هناك حرية دون ضوابط قانونية وأخلاقية وسلوكية، تنبع من قيم المجتمع ومن تراثه وثقافته. وخلاصة القول في هذا الأمر أن الديمقراطية التي نتحدث عنها، هي الديمقراطية التي تستلهم روح الدستور، وأن الحرية المسؤولة هي التي تلتزم بسيادة القانون وتحترم قيم وثقافة هذا المجتمع. أما الاختلاف في الرأي والاجتهاد في الفهم فتلك أمور مشروعة ومطلوبة ما دامت لا تتعارض مع الدستور، وما دامت لا تفضي إلى فتنة أو إلى تمزيق نسيج الوحدة الوطنية، ولا تؤدي إلى زعزعة الأمن أو الإضرار بسمعة الوطن وصورته، ولا تؤثر على أوضاعه الاقتصادية من خلال خلق أجواء البلبلة والتشويش.
ومن هنا فإننا نرحب بالمعارضة الوطنية، ونتفهم دورها في إثراء مسيرتنا الوطنية ورفدها بما لدى هذه المعارضة من خبرات ووجهات نظر تسهم في الارتقاء بالوطن وبناء مستقبله المشرق بإذن الله، وأود أن أشير هنا إلى ضرورة وضع حد لمقاومة وعرقلة الاستثمارات الأجنبية تحت شعارات تجاوزتها الأحداث.
ثالثا: إن الديمقراطية لا تكتمل إلا بالتعددية السياسية، وعلى ذلك فإننا نؤيد تشكيل الأحزاب الوطنية والانضمام إليها، ما دامت هذه الأحزاب تستلهم روح الدستور وتلتزم بالقوانين المنبثقة عنه، وندعو جميع المواطنين للمشاركة والمساهمة في عملية التنمية الوطنية السياسية، عن طريق المشاركة بالانتخابات النيابية.
وإنني أؤكد هنا على ما قلته في الكلمة التي وجهتها لأسرتنا الأردنية الواحدة في عيد الجلوس، وهو أن من أبسط صور الشعور بالمواطنة أن يبادر كل واحد منا إلى ممارسة حقه في انتخاب من يعتقد أنه يمثله، ومن يعتقد أنه مؤهل وقادر على استيعاب رؤانا الوطنية المستقبلية.
وفي هذا الصدد، فإنني أتطلع إلى إنجاز قانون انتخابي عصري، يتيح للجميع فرصة المنافسة الحرة الشريفة لتمثيل شرائح المجتمع وتوجهاته الفكرية والسياسية، والإعداد للانتخابات النيابية القادمة، مع الحرص على تلافي الثغرات التنظيمية والإجرائية التي حصلت في الانتخابات السابقة.
رابعا: إن السلطة التشريعية موضع عنايتنا واحترامنا وتقديرنا، ويجب أن يكون تعاون الحكومة معها على رأس أولوياتها، كما نأمل أن يكون التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في جميع المجالات، وبخاصة إنجاز مشاريع القوانين الاقتصادية والاستثمارية التي تعود بالنفع العام على الوطن والمواطن. وفي هذا المجال، فإننا ندعو إلى عدم الخوف من التغيير، وأؤكد أهمية الانفتاح والمواكبة، فالشعوب الحية هي التي تطور سبل حياتها وتوجهاتها، مستفيدة من تجارب الآخرين ومما يجري في العالم من حولها.
خامسا: أما قضاؤنا الأردني فهو موضع اعتزازنا وحرصنا الدائم على المحافظة على استقلاله ورفع كفاءته وقدرته على الإسراع في إجراءات التقاضي وإقامة العدل بين الناس، وهذا يستدعي العناية بأوضاع القضاة والاهتمام بها، وتمكينهم من رفع مستواهم العلمي، عن طريق البعثات والدورات، والاشتراك في الندوات والمؤتمرات المتخصصة، ليتمكنوا من التعامل مع المستجدات والتشريعات الاقتصادية الحديثة. ونؤكد أيضا ضرورة توفير وسائل الطمأنينة والعيش الكريم للعاملين في هذا الجهاز المهم، حتى يتمكنوا من القيام بواجباتهم الجليلة على أحسن وجه، ضمانا لحقوق الناس وممتلكاتهم وترسيخا للعدالة، فالعدل أساس الحكم، ولا خوف على مجتمع ودولة يتمتعان بقضاء نزيه، وقضاة ثقاة عدول.
سادسا: أما في مجال التربية والتعليم والثقافة، فلا بد من العمل الدائم لتحسين أوضاع المعلمين، ومكافأة المبدعين في مختلف المجالات العلمية والفكرية والفنية، والعمل على رفد هذا الجهاز المهم بالكفاءات والخبرات المتميزة المنفتحة على العالم من خلال استعمال التقنيات الحديثة في التعليم، وتزويد الطلبة والمدارس بما تحتاجه لتحقيق هذا الهدف، بحيث يستطيع المعلم والطالب معا التعامل مع التكنولوجيا الحديثة واستخدامها على أحسن وجه.
وهذا يتطلب منا الاهتمام بالتعليم العالي والبحث العلمي، وتحسين مستوى التعليم في جميع هذه المراحل، ووضع معايير واضحة دقيقة وعلمية للتخصصات الجامعية كافة، بحيث يصبح خريج أي جامعة أردنية متميزا في علمه وكفاءته وعطائه.
وحتى تتمكن الحكومة من أداء واجبها في هذا المجال، فإنني أرى إعادة إنشاء وزارة للتعليم العالي والبحث العلمي، لتتولى الإشراف والمراقبة عن كثب على مؤسسات التعليم العالي الرسمية والخاصة، والعمل على النهوض بمستواها حتى تكون نموذجا للمستوى العلمي الرفيع، وحتى تكون خططنا وبرامجنا التعليمية مرتبطة بحاجات المجتمع وتطلعاته إلى التطور والتغيير.
سابعا: وفي مجال الإعلام، فإننا نرى أن رسالة الإعلام يجب أن تقوم على مبادىء الحرية والمسؤولية الوطنية واحترام الحقيقة والمصداقية التي تمكنها من المنافسة، وعلى ذلك فلا بد من رفد أجهزتنا الإعلامية بالكفاءات البشرية اللازمة والأجهزة الحديثة المتطورة، حتى تتمكن من التعبير الجريء عن روح الوطن ومسيرته الخيرة وإنجازاته الكبيرة، ولا بد للإعلام الرسمي أن ينأى بنفسه عن أن يكون إعلاما لشخص أو حكومة، بل يجب أن يكون إعلام دولة ووطن، ثوابته معروفة وغاياته نبيلة وسامية.
وأما الصحافة فهي المرآة التي يرى الوطن صورته فيها، ولا بد من إتاحة الحرية لها حتى تتطور وتزدهر في مناخ من حرية الفكر والرأي والتعبير واحترام الرأي الآخر، وتكوين الرأي العام الداعم والمؤازر لعملية التغيير والتحديث الذي نسعى إليه، بمنأى عن الغوغائية والإشاعة والإثارة ومجانبة الحقيقة والموضوعية، والإساءة بقصد أو بغير قصد لصورة الوطن وسمعته، والتأثير سلبيا على أوضاعه الاقتصادية من خلال ما ينشر في هذه الصحافة من مواد تنقل للعالم من حولنا صورة مشوهة عما هو الواقع عندنا، آملا من الحكومة أن تستمر في خصخصة قطاع الصحافة تعزيزا لاستقلاليتها وتأكيدا لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.
ثامنا: أما اقتصادنا الوطني فيجب أن يتحرر من القيود التي تعيق نموه وازدهاره، ولا بد من الاعتماد على الذات والاستعانة بالتقنيات الحديثة لتنمية القدرات الاقتصادية الوطنية، وترشيد استثمار ثروات الوطن وموارده، وتقوية قاعدة الإنتاج بجميع عناصرها، وتوفير الإدارة المقتدرة، والعمل على شفافية التشريعات الاقتصادية، وتكاملها بما يخدم عملية الاستثمار المحلي والخارجي.
وفي هذا المجال فإنني أدعو إلى استمرار التعاون بين القطاعين العام والخاص، الذي تجلى في أحسن صوره من خلال ملتقيات المجلس الاقتصادي الاستشاري وتوصياته، التي آمل أن تستمر الحكومة في اعتمادها ترسيخا لدور القطاع الخاص في صنع القرار الاقتصادي الوطني في قطاعات الإنتاج كافة، وإزالة العراقيل التي تقف في طريقه.
وقد آن الأوان ليقوم القطاع الخاص بدوره الكامل في عملية التنمية بعد أن فتحت أمامه أسواق العالم، وبعد الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية، والشراكة الأوروبية، واتفاقيات التجارة الحرة مع العديد من الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة، ولا بد أيضا من الشروع بوضع مواصفات علمية للمنتج الوطني بحيث يكون قادرا على المنافسة محليا وخارجيا. واحترام الملكية الخاصة وتشجيع المبادرات الفردية والمنافسة الشريفة ووضع حد للاحتكار غير المشروع، وإعادة النظر بالأسس التي يتم بناء عليها اختيار ممثلي الحكومة في مجالس إدارة الشركات، بحيث تكون الكفاءة والاختصاص والنزاهة هي الأساس في اختيار هؤلاء الممثلين، كما أؤكد أهمية تعزيز دور الحكومة في الرقابة على الشركات من خلال تفعيل دور مديرية مراقبة الشركات في الإشراف والرقابة والمتابعة الحثيثة.
وتشكل الزراعة ركنا أساسيا في اقتصادنا الوطني وفي اعتمادنا على أنفسنا في الأساسيات من وسائل العيش. ولذا لا بد من تنشيط المؤسسات الزراعية، والعمل على تكامل أدوارها، وتحديث أساليبها، وتطوير نوعية البحث والإرشاد الزراعي، والارتقاء بمستوى التصنيع الزراعي، وتوفير مستلزمات الإنتاج، وتحسين وسائل تسويق المنتجات الزراعية، حتى يتمكن المزارع من أن ينال جزاء كده وتعبه ومعاناته، ويتعزز ارتباطه بأرضه. وهنا أود أن أشير إلى ضرورة التأكد من الجدوى الاقتصادية الوطنية لبعض المحاصيل الزراعية، وبخاصة تلك المزروعات التي تستنزف من ثروتنا المائية أكثر من مردودها الاقتصادي على الوطن والمواطن.
تاسعا: إن المياه عماد الحياة، "وجعلنا من الماء كل شيء حي"، وهي عنصر استراتيجي يعتمد عليه مستقبل التنمية في الأردن، مما يستوجب المحافظة على مصادر المياه وتنميتها، وضمان حسن إدارتها، ورفع كفاية تخزينها ونقلها، وترشيد استعمالاتها. ولا بد من تنفيذ استراتيجية المياه المقرة، التي تستند إلى رؤية واضحة، وآلية فاعلة ممكنة التطبيق في المدى المنظور والبعيد، مؤكدا ضرورة إيلاء هذا الموضوع الأهمية القصوى التي يستحق، والعمل على إعطاء الأولوية في هذا المجال للتخفيف من معاناة المواطن في بعض المواسم في سعيه للحصول على المياه وتأمين احتياجاته منها.
عاشرا: إن الاهتمام بموضوع البيئة والحفاظ عليها واجب وطني، ينبغي أن يحظى بالاهتمام والرعاية، وعلى ذلك فإنني آمل أن تولي حكومتكم الاهتمام اللازم للمحافظة على ما حبانا الله به من طبيعة ومناخ، وأن تراعي العوامل البيئية عند وضع الخطط والمشاريع التنموية، وأن تبادر إلى وضع الإجراءات القانونية والإدارية التي تمكننا من الحفاظ على البيئة، تمهيدا لإنشاء وزارة لشؤون البيئة في المستقبل.
حادي عشر: أما السياحة بجميع أشكالها، فقد أصبحت صناعة لها مقوماتها المستندة إلى أسس علمية تعلي من شأنها وتزيد من فاعليتها الإيجابية في المجتمع والدولة. ولا بد من إيلاء هذا القطاع العناية الفائقة بحيث تصبح السياحة موردا رئيسيا من موارد الدولة.
ولا بد للحكومة من أن تعمل جاهدة من أجل تطوير سبل تسويق السياحة في الخارج، لتشجيع السياح وجذبهم إلى بلدنا الذي يعتبره علماء التاريخ والآثار متحفا مفتوحا لما تحويه أرضنا من كنوز أثرية ودينية فريدة من نوعها في التاريخ الإنساني، ولا بد أيضا من أن تتخذ الإجراءات السريعة للمحافظة على الأماكن الأثرية وصيانتها وكشف المدفون منها، وإعادة تأهيل بعض المواقع السياحية، وتزويدها بالبنية التحتية اللازمة، والمحافظة على البيئة في تلك المناطق، دون المساس بحقوق المواطنين المحليين في استغلال ممتلكاتهم وأراضيهم، ضمن شروط عادلة.
وهنا أود أن أؤكد أهمية عدم استغلال موضوع السياحة العلاجية من قبل بعض الأفراد أو الجهات، وعلى ضرورة وضع آلية لضمان عدم حدوث مثل هذا الاستغلال.
ثاني عشر: وفي مجال الرعاية الاجتماعية، فإننا نؤكد أهمية الأسرة باعتبارها اللبنة الأساسية في بنية المجتمع، كما أؤكد أهمية الرعاية للأمومة والطفولة، وحق الأطفال بالحصول على الرعاية الكاملة من الأسرة والدولة، والاهتمام بالأوضاع الصحية والاجتماعية لطلبة المدارس في المناطق الفقيرة، والتأكد من تطبيق قانون العمل فيما يتعلق بعدم استخدام الأطفال واستغلالهم في سوق العمل، وحماية الأسرة من مختلف أشكال العنف.
كما أؤكد أهمية حق المرأة في التعليم والتوجيه والتدريب والعمل، وتمكينها من أخذ دورها في المجتمع باعتبارها شريكة للرجل في تنمية المجتمع وتطويره.
أما الشباب، وهم القطاع الذي يشكل ثلثي عدد السكان، فلا بد من بذل الرعاية والمساعدة لهم، ووضع البرامج والخطط لتأهيلهم وتدريبهم وتمكينهم من تحمل المسؤولية، وتوجيه قدراتهم الخلاقة نحو البناء والتقدم، وإيجاد فرص العمل لهم من خلال تنظيم سوق العمالة وضبطه لإيجاد فرص عمل للأردنيين أولا، ومن خلال التوسع في مجالات التعليم والتدريب المهني، فالوطن لا يبنى إلا بأيدي أبنائه وسواعدهم.
ولا بد أيضا من رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، ودمجهم في مجتمعهم باعتبارهم جزءا مشاركا منتجا في المجتمع وليس عالة عليه، وإنه لمن الضرورة بمكان اتخاذ الإجراءات المناسبة لتعميق مفهوم التكافل الاجتماعي، وتوسيع مظلة الضمانات الاجتماعية.
ثالث عشر: لقد كان جيشنا العربي، وسيظل على الدوام، موضع اعتزازنا وفخرنا، فهو سياج الوطن ودرعه الحصين، وهو ضمان أمن الوطن واستقلاله واستقراره، وهذا يستدعي تقديم كل أشكال الدعم له، وتزويده بكل ما يحتاج إليه، من تدريب وتأهيل وتحديث ومعدات، لتمكينه من أداء رسالته النبيلة في حماية الوطن والإسهام في نهضته التنموية، والحفاظ على المستوى الرفيع الذي تحلى به عبر العقود الماضية، بالإضافة إلى مساهمته في حفظ الأمن والسلام في أرجاء مختلفة من العالم.
رابع عشر: وأما أجهزتنا الأمنية، فهي أيضا موضع اعتزازنا وحرصنا على تطويرها ورعايتها بحيث تكون العين الساهرة على أمن الوطن والمواطن، وذراع العدالة القوية. وإننا في الوقت الذي نقدر فيه جهود هذه الأجهزة ورسالتها النبيلة ودورها الفعال في الحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم، فإننا نؤكد في الوقت نفسه ضرورة احترام المواطن والحفاظ على كرامته، والتعامل معه من منطلق أن هذه الأجهزة وجدت لخدمة المواطن أولا، وللحفاظ على حياته وممتلكاته وكرامته قبل كل شيء، وذلك تعزيزا للانتماء الوطني، وإرساء العلاقة بين المواطن وهذه الأجهزة على أساس من الثقة والتعاون والاحترام المتبادل.
خامس عشر:إن الجهاز الإداري للدولة بحاجة ماسة إلى التطوير والتحديث على أسس علمية عصرية، وإعادة هيكلته بحيث يتناسب مع طموحات الوطن في النمو والازدهار، ومن هنا فلا بد من التصدي لكل عوامل الترهل والتسيب والفساد، واستغلال المنصب العام والمحسوبية والواسطة والشللية والمزاجية في اتخاذ القرارات، والضرب بيد من حديد على يد كل من تسول له نفسه العبث بمصالح المواطنين. ولا بد من توفير القيادات الكفؤة النزيهة، التي تقدم المصلحة العامة على الخاصة، ومنح الحوافز للمبدعين والمخلصين منهم، ومحاسبة كل من يثبت تقصيره أو إهماله أو استغلاله لوظيفته بأي شكل من الأشكال.
وهنا أود أن أؤكد أهمية تعزيز صلاحيات الأمناء والمدراء العامين في أجهزة الدولة، بحيث يتفرغ الأمين العام والطواقم الإدارية لإنجاز معاملات المواطنين وتقديم الخدمة لهم، بمنأى عن البيروقراطية والروتين والتعقيدات الإدارية العديدة.
سادس عشر: أما سياستنا الخارجية، فهي ترتكز على قاعدة عريضة من الشرعية الدولية، التي يمثلها احترامنا لميثاق الأمم المتحدة وأحكامه، وخاصة تلك التي تتعلق باحترام سيادة كل دولة وصون استقلالها وسلامتها الإقليمية.
وأما علاقاتنا العربية، فهي ترتكز في المقام الأول على ما نص عليه الدستور من كون المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية، والشعب الأردني جزءا من الأمة العربية. ومن هنا فإننا نؤكد حرصنا الكامل أن تكون علاقاتنا الأخوية مع الأشقاء العرب في رأس أولوياتنا وقائمة على الثقة والاحترام المتبادل، والسعي المشترك لتعزيز التضامن العربي، والالتزام بميثاق جامعة الدول العربية وبمؤسسات العمل العربي المشترك.
إن الأردن ملتزم بعملية السلام باعتباره خيارا استراتيجيا أجمعت عليه الأمة العربية، وسيعمل الأردن على دعم الأشقاء العرب على المسارات العربية كافة لاستعادة حقوقهم، وصولا إلى تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة، وذلك طبقا للشرعية الدولية.
أما الأشقاء الفلسطينيون فلهم ولسلطتهم الوطنية منا كل الدعم والمساندة في المحافل العربية والدولية كافة، وسنبقى سندا وظهيرا لهم حتى يتمكنوا من استرداد حقوقهم وتقرير مصيرهم، وتأسيس دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس.
وأما المسألة العراقية، فإننا نؤكد حرصنا الدائم على وحدة العراق الشقيق وسيادته على كامل أراضيه، وندعو المجتمع الدولي للقيام بواجبه تجاه العراق برفع الحصار الجائر عن هذا القطر العربي الشقيق، والجار العزيز علينا، ووضع حد لمعاناة هذا البلد العريق وهذا الشعب الأبي.
وأما العمل داخل دوائر وزارة الخارجية، فإنني أؤكد أهمية المؤسسية، وأن يكون وزير الخارجية الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية وفي إطار المؤسسية، في مجالات السياسة الخارجية.
دولة الأخ الرئيس،
لقد دأبت بعض الفئات، وهي قليلة والحمد لله، عبر السنوات الماضية على التسابق في نقد الحكومات في أي قرار تتخذه دون النظر إلى ظروف اتخاذ هذه القرارات، وعمدت إلى التركيز على أية هفوات وتعظيمها لخلق رأي عام ضد الحكومات.
وقد ساهمت بعض الصحف والصالونات السياسية في توجيه الرأي العام للمطالبة بتغيير الحكومة، دون إعطائها فسحة من الوقت للحكم على مجمل سياساتها ومدى نجاحها في تطبيق هذه السياسات، حتى أصبحت المئة يوم الأولى من عمر الحكومة هي المعيار لدى هذه الفئة لتقييم أداء هذه الحكومة أو تلك، وقد أضر هذا بمصلحة الوطن كثيرا، ونحن نريد أن نؤسس لاستقرار الحكومات والوزارات بحيث يشعر المسؤول الكفؤ أنه باق حتى لو تغيرت الحكومة، ليصبح قادرا على الاستفادة من تراكم الخبرة لخدمة وطنه ومواطنيه.
إن المعيار الحقيقي لنجاح الحكومة هو قدرتها على تنفيذ برنامجها والمهام الموكولة إليها عند تكليفها، ولن يتأتى التحقق من ذلك إلا بإعطائها الوقت الكافي لتنفيذ ذلك، دون إشغالها بمعارك جانبية ليست في مصلحة الوطن أو المواطن.
لقد استمرأت هذه الفئة النخر بالوطن وإنجازاته، وتعامت عن الإنجازات الكبيرة التي حققها الوطن والتي لا تريد أن تراها، مستفيدة من مناخ الحرية الصحفية وبدون أدنى شعور بالمسؤولية، لإظهار الأردن، الوطن الأغلى، بصورة سلبية مشوهة، كما استمرأت فئة أخرى كانت في مواقع المسؤولية والمشاركة في صنع القرار محاولات الهدم، فإذا ما خرجت من مواقعها لأي سبب من الأسباب، أصبح الوطن بنظرها خرابا لا يصلح حاله إلا بعودتها لمواقع المسؤولية مرة أخرى.
إنني أؤمن أن الحكومة بأجهزتها لا تستطيع العمل والإنتاج إلا إذا ساعدناها جميعا في خلق البيئة المناسبة للعمل والإنتاج والإبداع، فالمستقبل واعد بحمد الله، والإصلاح الاقتصادي بدأت نتائجه تظهر بالأرقام، ومع ذلك فستمضي فترة أخرى يجب العمل على أن تكون أقصر ما يمكن لكي يشعر مواطننا الذي ضرب المثل في الصبر والتحمل بنتائج هذا الإصلاح.
لقد شعرت خلال جولاتي المتعددة لحث العالم على الوقوف إلى جانبنا من أجل تحسين المستوى المعيشي للمواطن، ولا سيما زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة، والنتائج الطيبة التي تحققت، أن العالم يؤمن بصواب مسيرتنا الاقتصادية، ويعلن عن استعداده للوقوف إلى جانبنا ومساعدتنا، وهو يرى عزمنا على النهوض ببلدنا، و"على قدر أهل العزم تأتي العزائم".
إن ثقتي بك وبمن سيقع عليهم اختيارك من أبناء هذا الوطن المخلصين، القادرين على تحمل المسؤولية بشرف وأمانة، ثقة بلا حدود، وستجدون مني كل الدعم والمؤازرة والعون إن شاء الله، وسيكون أمامكم الوقت الكافي لتحقيق هذه الطموحات واستكمال البرامج المشار إليها، سائلا المولى عز وجل أن يوفقك وزملاءك ويجعل النجاح حليفكم، وأن يهدينا جميعا إلى سبيل الهدى والرشاد، منتظرا موافاتي بأسماء زملائك الوزراء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عبد الله الثاني ابن الحسين