الميثاق الوطني الأردني
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة تاريخية
كان الاردن منذ اقدم العصور منطقة استقرار بشري وازدهار حضاري ، وموطنا لكثير من الهجرات السامية العربية ، وقد شيد الإنسان فيه حضارات لا تزال معالمها ماثلة للعيان ، وستظل ارض الاردن تزهو باثار القبائل العربية التي قدمت من الجزيرة العربية قبل الاسلام ، واسهمت منذ وقت مبكر في التواصل بين الجزيرة العربية ومنطقة البحر الابيض المتوسط ، وما مدينة البتراء التي بناها العرب الانباط في جنوب الاردن الا رمز لتصميم الانسان العربي في هذه المنطقة على البقاء وعنوان لجهده وعطائه .
وعندما بزغت شمس الاسلام من بطاح مكة المكرمة والمدينة المنورة ،وانطلقت الدعوة خارج حدود الجزيرة العربية تحمل رسالة النور والهدى للعالمين ، جابهت مقاومة الدول القائمة انذاك ، وشهدت مؤتة اول صدام بين المسلمين والقوى البيزنطية ، وسقط على ثراها عدد من شهداء الاسلام ، وعلى ضفاف اليرموك كان النصر الحاسم للرسالة الاسلامية . واصبح الاردن احد الاجناد العربية الخمسة في بلاد الشام ، كما اصبح ارضا للحشد والرباط ومنطلقا للفتح والتحرير ، وبقى جزءا من الدولة العربية الاسلامية ونقطة اتصال بين الجزيرة العربية والبلاد الاسلامية .
ومنذ مطلع القرن الثاني عشر الميلادي عرفت المنطقة تشكيلات ادارية خلال العصرين المملوكي والعثماني ، كما عرف الاردن ، شانه شان الاقطار العربية المجاورة ، قيام مجالس للادارة المحلية شارك فيها السكان ، غير انه عانى من المراحل الاخيرة للحكم العثماني من التمييز الذي مارسه حزب الاتحاد والترقي ضد العرب وهويتهم القومية ، مما دعاهم الى الاحتجاج على السياسة الطورانية ورفضها ، والثورة على الحكم الذي تمثله تلك السياسة ، فكانت ثورتهم عليه نتيجة حتمية لسياسة التتريك وكثرة الظلم وسوء الاوضاع الاقتصادية ، وتزايد الفساد الاداري ، وعجز الدولة العثمانية عن توفير الامن والاستقرار في الديار العربية عامة . وكان المشروع القومي النهوضي للثورة العربية الكبرى التي انطلقت شرارتها في التاسع من شعبان عام 1334 هـ الموافق العاشر من حزيران عام 1916م ، يهدف الى توحيد اقطار المشرق العربي في دولة عربية واحدة تضم العراق والحجاز وبلاد الشام ومن ضمنها الاردن وفلسطين .
وعلى هذا الاساس ، اعلن الامير فيصل الاول تاليف اول حكومة عربية في دمشق في الخامس من تشرين الاول عام 1918، لكن بريطانيا اصدرت في 22 تشرين الاول من العام نفسه بيانا يقضي بتقسيم سورية الطبيعية الى ثلاث مناطق ، تنفيذا لاتفاقية سايكس بيكو التي عقدت عام 1916، وتمكينا لبريطانيا من تنفيذ وعدها للحركة الصهيونية بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين الا من ممثلي الشعب في المشرق العربي الذين اجتمعوا في المؤتمر السوري العام الذي انعقد في دمشق من 6-8 اذار عام 1920 رفضوا هذا التقسيم ، واعلنوا وحدة البلاد بحدودها الطبيعية واستقلالها ، ونادوا بفيصل الاول ملكا عليها . غير ان بريطانيا وفرنسا لم تعترفا بارادة الامة ، واتفقتا في مؤتمر سان ريمو في 25 نيسان عام 1920 على فرض الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان ، وفرض الانتداب البريطاني على العراق وفلسطين وشرق الاردن . وعلى الرغم من المقاومة العربية للمخططات الاستعمارية ، فان المستعمر قد فرض امرا واقعا بالقوة ، نتيجة للتفوق العسكري الذي احرزه على المجاهدين العرب في معارك كثيرة ، كان آخرها معركة ميسلون في 24 تموز عام 1920 .
وقبيل انهيار الحكم العربي في سوريا ، كانت القوات البريطانية قد انسحبت من جميع الاراضي السورية ، واحتل الفرنسيون دمشق ولكن قواتهم لم تدخل الاراضي الاردنية فبقيت خالية من اي قوة اجنبية ، وعندما تقرر وضع شرقي الاردن تحت النفوذ البريطاني تنفيذا لاتفاقية سايكس بيكو ، عين المندوب السامي البريطاني في فلسطين عددا من ضباطه لادارة المناطق في شرق الاردن .
وقد جاءت اتفاقية " ام قيس " التي عقدت في اجتماع تم بين وفد من الاهالي في المنطقة الشمالية وبين احد هؤلاء الضباط في 2 ايلول عام 1920 لتشكل اول برنامج سياسي وطني في شرق الاردن ، اذ طالب الاهالي في ذلك الاجتماع بتشكيل حكومة عربية في البلاد مستقلة عن حكومة الانتداب في فلسطين ، كما طالبوا بانضمام شرقي الاردن الى البلاد السورية حينما تتحقق وحدتها ، وبمنع الهجرة اليهودية الى المنطقة وتحريم بيع الاراضي لليهود .
والاحتلال البريطاني لفلسطين ، ولكن السنوات الاربع التالية شهدت صراعا مريرا بين ما تمثله الحكومة الجديدة من تطلعات قومية وسعي الى تحرير سورية ، وبين مصالح بريطانيا وفرنسا في المنطقة ، وانتهى هذا الصراع في اواخر اب عام عام 1924 ببسط سيطرة سلطات الانتداب البريطاني على الامور الادارية والمالية والعسكرية في الاردن ، ومطاردة تلك السلطات لرجالات حزب الاستقلال وابعادهم عن البلاد .
وعلى الرغم من اعتراف بريطانيا باستقلال امارة شرق الاردن في 25 ايار عام 1923 ، ووعدها بعقد اتفاقية لتثبيت العلاقة بين البلدين وتحديد الوضع الدستوري للبلاد ، فان المعاهدة البريطانية الاردنية الاولى التي عقدت في 20 شباط عام 1928 ، لم تحقق مطالب الاردنيين في دولة مستقلة كاملة السيادة ، مما اثار استياء الشعب الاردني وسخطه على تلك المعاهدة وادى به الى السعي لعقد اول مؤتمر وطني للنظر في بنود المعاهدة والاتفاق على خطة للعمل السياسي ، فانعقد ذلك المؤتمر في عمان في 25 تموز عام 1928، وشارك فيه عدد كبير من شيوخ البلاد ورجالاتها واصحاب الراي فيها ، واعتبر المؤتمر نفسه ممثلا شرعيا للشعب الاردني ، كما انبثقت عنه لجنة تنفيذية تولت قيادة الحركة الوطنية الاردنية ، واصدر " الميثاق الوطني الاردني " ، فكان اول وثيقة سياسية وطنية ذات برنامج محدد ، وقد شكل هذا الميثاق علامة سياسية فارقة في تاريخ النضال الوطني والسياسي الاردني ، حددت فيه الثوابت السياسية للامارة في تلك المرحلة ونص في بنوده الاساسية على امور مهمة من ابرزها :
1- ان امارة شرق الاردن دولة عربية مستقلة ذات سيادة بحدودها الطبيعية المعروفة ، تدار بحكومة دستورية مستقلة برئاسة صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن الحسين المعظم واعقابه من بعده .
2- عدم الاعتراف بمبدأ الانتداب الا كمساعدة فنية نزيهة لمصلحة البلاد ، وعلى ان تحدد هذه المساعدة بموجب اتفاق او معاهدة تعقد بين شرقي الاردن وبريطانيا على اساس الحقوق المتقابلة والمنافع المتبادلة دون ان يمس ذلك بالسيادة القومية .
3- اعتبار وعد بلفور القاضي بانشاء وطن قومي لليهود بفلسطين مخالفا لعهود بريطانيا ووعودها الرسمية للعرب وتصرفا مضادا للشرائع الدينية والمدنية في العالم .
4- كل انتخاب للنيابة العامة يقع في شرقي الاردن على غير قواعد التمثيل الصحيح وعلى اساس عدم مسؤولية الحكومة امام المجلس النيابي لا يعتبر انتخابا ممثلا لارادة الامة وسيادتها القومية ضمن القواعد الدستورية ، بل يعتبر انتخابا مصطنعا ليس له قيمة تمثيلية صحيحة ، والاعضاء الذين ينتخبون على اساسه اذا بتوا في حق سياسي او مالي او تشريعي ضار بحقوق شرقي الاردن الاساسية لا يكون لبتهم قوة الحق الذي يعترف به الشعب ، بل يكون جزءا من تصرف سلطة الانتداب وعلى مسؤوليتها .
5- رفض كل تجنيد لا يكون صادرا عن حكومة دستورية مسؤولة باعتبار ان التجنيد جزء لايتجزا من السيادة الوطنية ، ورفض تحمل نفقات اي قوة اجنبية محتلة ، واعتبار كل مال يفرض عليها من هذا القبيل مالا مغتصبا من عرق عاملها المسكين وفلاحها البائس ، واعتبار كل تشريع استثنائي لا يقوم على اساس العدل والمنفعة العامة وحاجات الشعب الصحيحة تشريعا باطلا ، وعدم الاعتراف بكل قرض مالي وقع قبل تشكيل المجلس النيابي ، وعدم جواز التصرف بالاراضي الاميرية قبل عرضها على المجلس النيابي وتصديقه عليها واعتبار كل بيع وقع قبل انعقاد المجلس بيعا باطلا .
وقد حكمت هذه المبادئ الهامة النضال السياسي للشعب الاردني لسنوات متعددة لاحقة ، حتى ابرمت المعاهدة البريطانية الاردنية الثانية في 17 حزيران عام 1946 ، واعترفت بريطانيا بموجبها باستقلال شرقي الاردن باسم اللمملكة الاردنية الهاشمية . وفور توقيع المعاهدة الجديدة بالاحرف الاولى في 22/اذار عام 1946 ، اتخذت المجالس البلدية في المملكة قرارات عبرت فيها عن رغبة ابناء الشعب الاردني ومطالبته باعلان الاستقلال على اساس النظام الملكي النيابي ، كما اجتمع المجلس التشريعي الاردني في 25 ايار عام 1946، وقرر بالاجماع اعلان البلاد الاردنية دولة مستقلة استقلالا تاما وذات حكومة ملكية وراثية نيابية ، واعلان البيعة بالملك لعبدالله بن الحسين بوصفه ملكا دستوريا على رأس الدولة الاردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة ( ملك المملكة الاردنية الهاشمية ) واقرار تعديل القانون الاساسي الاردني على هذا الاساس .
وبذلك بدأت اركان الدولة الاردنية تتوطد تدريجيا ، واخذ الوعي السياسي والاجتماعي والاقتصادي للشعب الاردني يتعمق ويتعاظم باستمرار ، وجعل الشعب يطالب بالمشاركة في صنع القرارت السياسية ، والسير نحو النهج الديموقراطي ، واقامة الحياة النيابية ، وضرورة انهاء الوجود البريطاني الاستعماري ، وتصفية آثاره في السياسات الاردنية الداخلية وفي علاقات الاردن العربية والدولية .
ونتيجة لوعد بلفور ، واصرار بريطانيا على المضي قدما في تنفيذه باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، اخذت الاوضاع على الساحة الفلسطينية تتدهور بسرعة ، واخضع الشعب العربي الفلسطيني لحكم الطوارئ ، وقمعت القوات البريطانية انتفاضاته المتلاحقة وثوراته المسلحة بمنتهى العنف ، وحالت دون استقلال فلسطين واقامة الدولة الفلسطينية ، وفي الوقت نفسه فتحت ابواب فلسطين للهجرة اليهودية المدنية والعسكرية والسياسية ، ودربت قوة يهوديه مقاتلة ضمن الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية . وعندما صدر قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 181 في 29 تشرين الثاني عام 1947 ، القاضي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود ، واعلن انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين في 15 ايار عام 1948، كانت الوكالة اليهودية تملك جميع مقومات الدولة ، في حين كان الشعب الفلسطيني منزوع السلاح يرزح تحت نير الارهاب والبطش ، وكانت الانظمة العربية الخاضعة في ذلك الوقت للنفوذ الاستعماري تمنع السلاح عن الشعب الفلسطيني ، فاستطاع اليهود بالتواطؤ مع بريطانيا ، احتلال ثلاثة ارباع فلسطين بالقوة العسكرية واقامة دولتهم عليها ، وتم تهجير عدد كبير من الفلسطينيين تهجيرا قسريا .
وعندما دخلت الجيوش العربية فلسطين ، كان الجيش العربي الاردني من ضمنها فشارك في العمليات العسكرية ضد القوات الاسرائيلية ببسالة مشهودة ، واستطاع ان يحافظ على المناطق الفلسطينية التي سميت فيما بعد بالضفة الغربية من المملكة ، وكان دفاعه عن القدس مجيدا مشرفا ، وبلغ عدد شهداء الجيش الاردني في تلك المعارك حوالي ثلاثمائة وسبعين شهيدا ، فضلا عن الف جريح ، ولم يكن عدد افراد الجيش كله في ذلك الوقت يتجاوز خمسة الاف رجل باسلحة بسيطة وذخائر محدودة وبقيادة بريطانية مباشرة ، كما شارك المتطوعون الاردنيون في القتال جنبا الى جنب مع المناضلين من ابناء فلسطين واخوانهم العرب الذين جاءوا للدفاع عن عروبة فلسطين .
وكان التحام الاردنيين والفلسطينيين مرة اخرى من اهم التطورات التي طرأت بعد حرب عام1948 اذ توحدت ضفتا الاردن ضمن اطار المملكة الاردنية الهاشمية واصدر مجلس الامة الاردني الممثل للضفتين قراره التاريخي بتأييد هذه الوحدة في 24 نيسان عام 1950 .
وتلاحقت التطورات السياسية في البلاد ، كما استمر تطور المؤسسات فيها ، اذ اصدر الملك طلال الاول الدستور الاردني الجديد بعد ان اقره مجلس الامة في كانون الثاني عام 1952 . ونص هذا الدستور على ان الشعب الاردني جزء من الامة العربية وان نظام الحكم في المملكة نيابي ملكي وراثي وان الامة هى مصدر السلطات .
وفي الحادي عشر من شهر اب عام 1952، نودي بالحسين ملكا للمملكة الاردنية الهاشمية ، وعندما تسلم جلالة الملك سلطاته الدستورية في الثاني من ايار عام 1953، اخذ التوجه الديموقراطي يتعزز في البلاد ، واتسمت مرحلة الانفتاح على الشعب بالتطلع العام نحو مزيد من الحريات والنزوع الى بناء مؤسسات الدولة العصرية وتحديثها ، كما تواصلت مسيرة التطور الاقتصادي والسياسي الفكري ونشطت الحركات السياسية الاردنية وانتعشت معها الحياة الحزبية . وفي عام 1954 اجري التعديل على الدستور لتعزيز التوجه الديموقراطي وبموجب هذا التعديل الذي اصبح نافذ المفعول في الاول من تشرين الثاني عام 1955 ، اصبحت الحكومة مسؤولة امام مجلس النواب وترتب عليها ان تقدم بيانها الوزاري الى المجلس وان تطلب الثقة على اساسه .
وفي الاول من اذار عام 1956، قام جلالة الملك الحسين بتعريب قيادة الجيش واقصاء الضباط البريطانيين عنه وكانت هذه الخطوة انجازا كبيرا اكد مفهوم السيادة الوطنية والقومية وعزز التحام الشعب الاردني بقيادته الوطنية وجاءت انسجاما مع حرص الحسين وتصميمه منذ تسلم سلطاته الدستورية على تحقيق حرية الاردن وتنمية استقلاله واستجابة لتطلعات الشعب الاردني وجيشه في التحرر من التبعية الاجنبية .
وقد تلا هذا الحدث تاميم قناة السويس فوقف الاردن وحكومة وشعبا الى جانب مصر العربية حين تعرضت للعدوان الثلاثي الاسرائيلي الفرنسي البريطاني عام 1956 .
وفي اواخر عام 1956 اجريت اول انتخابات اردنية على اساس التعددية الحزبية والسياسية وتألفت وزارة برلمانية تحقق في عهدها توقيع اتفاقية التضامن العربي في كانون الثاني عام 1957 وانهاء المعاهدة البريطانية الاردنية في 13 اذار من العام نفسه ، وجلاء القوات البريطانية عن البلاد . ولكن هذه المرحلة لم تستمر طويلا اذ تعثرت التجربة الديموقراطية لاسباب داخلية وخارجية مختلفة .
وعندما شنت اسرائيل الحرب على الدول العربية في الخامس من حزيران عام 1967 وبدا هجومها على مصر خاض الاردن الحرب التزاما بميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك وبقيادة عربية موحدة دون اي اعتبار اخر ، وقد جاء احتلال اسرائيل للضفة الغربية من المملكة وللجولان وسيناء ضربة قاصمة كان لها ابلغ الاثر في مجمل اوضاع الاردن وفي الوطن العربي كله .
وكانت "معركة الكرامة " في 21 اذار عام 1968 منعطفا بارزا لوقف حالة التردي والهزيمة وبرهانا على ان وحدة الصف والتضحية والتصميم على الصمود هى التي تصنع النصر وتبدد اسطورة العدو الذي لا يقهر .
ولم تقف احداث ايلول المؤلمة التي تفجرت على الساحة الاردنية عام 1970 حائلا دون استمرار وحدة الشعب الاردني وحفاظه على الاستقرار، اذ ان اصالته وادراكه العميق لمخاطر الانقسام والتشتت، مكنت جميع ابنائه من راب الصدع وتجاوز تلك الاحداث .
وجاء قيام" الاتحاد الوطني العربي" في البلاد واعلان ميثاقه عام 1971 محاولة للاصلاح وسد الفراغ السياسي الا ان الاتحاد قد اقتصر على تنظيم سياسي وحيد ولم يكن مهيأ بطبيعته لاستيعاب القوى السياسية المختلفة ومشاركتها على اساس التعددية الحزبية وقد تمت تصفيته والغاء قانونه .
ونتيجة للاستقرار وازدياد الوعي السياسي العام لدى المواطنين الاردنيين وما شهدته البلاد من تحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة فقد دخل الاردن منذ منتصف عقد السبعينات مرحلة جديدة تحققت خلالها انجازات هامة . كان من ابرزها اقامة عدد من المشاريع الانتاجية الكبيرة واستكمال اقامة معظم البنى الاساسية في المملكة كما حقق الاقتصاد معدلات نمو عالية وحدث توسع كبير في التعليم شمل معظم مناطق المملكة . وانتشر التعليم الجامعي . غير ان هذه التحولات لم يواكبها تطور سياسي بالمستوى نفسه وكان لغياب المشاركة الشعبية والانفراد في اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي اثر كبير في تراجع الاداء العام في السنوات الاخيرة وفقدان الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة بالاضافة الى عوامل واسباب اقتصادية ومالية داخلية اخرى . وعدم وفاء بعض الحكومات العربية بالتزاماتها المالية التي تقررت للاردن في قمة بغداد عام 1978 في الوقت الذي زادت فيه اعباء الدفاع وقد اعتمد الاردن على ان الامة العربية لا يمكن ان تتخلى عنه و هو يقف على اطول خط للمواجهة مع اسرائيل المدعومة باستمرار وسخاء من اليهودية العالمية والولايات المتحدة الامريكية وسواها ، وقد تضافرت هذه العوامل والاسباب جميعا فأدت الى اتساع الخلل وتفاقمه في نهاية الثمانينات وكانت النتيجة الحتمية لذلك كله تفجر الازمة السياسية والاقتصادية التي مست معظم فئات الشعب الاردني وادت الى وقوع احداث الجنوب في نيسان عام 1989 ونشوء حالة من التوتر عمت بقية انحاء المملكة .
وقد شكلت هذه الاحداث - على اختلاف المعايير - نقطة تحول هامة في الاوضاع العامة في البلاد وكانت بداية مراجعة شاملة للسياسات والمواقف والممارسات الرسمية والشعبية على جميع المستويات فقرر جلالة الملك الاسراع في استئناف الحياة النيابية التي انقطعت بعد قرار فك الارتباط بالضفة الغربية في 31 تموز عام 1988 واجريت الانتخابات العامة في اواخر عام 1989 فتحقق بذلك قيام الركن الاول في صرح البناء الديموقراطي وبدأت مرحلة التحول السلمي نحو الديموقراطية وشهدت البلاد انفراجا سياسيا سادت فيه روح الانفتاح والمصارحة والتواصل بين المواطنين ومؤسسات الدولة كما شهدت حوارا سياسيا واسعا شارك فيه اصحاب الراي والفكر والقادة السياسيون وجميع فئات الشعب ، وتكونت بذلك حالة ديموقراطية عبرت بمختلف الاساليب عن تلاقي ارادات ابناء الشعب الاردني وقيادته العليا على ضرورة الاصلاح العميق الشامل والبناء في جميع الميادين.